تقرير: عيسى جديد:
القصة ليست بالجديدة ولكن تكرارها يدل على عمقها وتجذرها في ولاية انتشر فيها السلاح بصورة خطيرة مما جعل من المواجهة دامية وقاتلة بقوة الرصاص والأسلحة الثقيلة، فقبيلة المسيرية في القطاع الغربي واجهت الكثير من التحديات خلال كل السنين الماضية ومنذ حرب الجنوب وقدمت الكثير من الشهداء دفاعاً عن الأرض والوطن ولكن مع وقف حرب الجنوب انعكس وجود السلاح على الأرض فكانت الاشتباكات القبلية المتكررة في ولاية غرب كردفان ما بين بطش القبيلة وبعض القبائل الأخرى في عمليات ثأر متبادلة، أسبابها تتعدد ما بين شخصية أو عرضية، فأحداث الفولة منذ يومين ما هي إلا ردود أفعال لحادثة اشتباكات في مايو الماضي ما بين أولاد سرور من المسيرية الحمر، وأولاد هيبان الزرق في القطاع الغربي بجنوب كردفان، وصل فيها الاشتباك حد القتل وتدخل لجنة للتحقيق في الأحداث.
تفاصيل الحكاية لقصة ثأر بايت
يقول شاهد عيان من مدينة الفولة لـ(آخر لحظة) إن ما حدث ليلة الأحد هو تداعٍ لما حدث يوم الخميس الماضي 3 يناير حينما عثر على حارس الغابات «محمود حمودة» مقتولاً بالرصاص على مدخل السد بشرق مدينة الفولة جوار دراجته النارية، وهو من أولاد هيبان المسيرية الزرق مما جعل المدينة تنام على التوتر والترقب طوال يومي الجمعة والسبت لتنفجر الأوضاع ليلاً في يوم الأحد في تمام الساعة العاشرة بميدان كرة القدم وسط مدينة الفولة، حينما سمع صوت إطلاق كثيف للرصاص من بندقية كلاشنكوف سريعة الطلقات لتردي في الحال شخصين من قبيلة المتانين هما «الفاضل نصر» و«باشر طه» حيث قال شهود عيان إنهما تلقيا هاتفاً مجهولاً يطلب منهما الحضور إلى الميدان وكان قدرهما هنالك الرصاص الكثيف الذي أودى بحياتهما.
تداعيات الأحداث والقتال الدامي
يواصل شاهد العيان ويقول لـ(آخر لحظة) من تجاربنا السابقة في مثل هذه الاشتباكات توقعنا حدوث الاسوأ وفعلاً توجست المدينة وسكنت تماماً منذ صباح يوم الأحد 6 يناير، حيث بدأت الجموع من أهل القتيلين من أبناء المتانين في الزحف نحو مناطق المسيرية الزرق في حي «أم دقل» الذي تحسب ساكنوه من قبيلة المسيرية الزرق للخطر فأرسلوا أسرهم خارج المدينة في ليلة الحدث وتبقى الرجال فقط للمواجهة، فدارت معركة دامية استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة والقنابل طوال نهار الأحد كما يروي شاهد العيان الآخر من داخل مدينة الفولة، وقال ظللنا نسمع زخات الرصاص المتواصل طوال النهار وكل منا داخل منزله ولا سبيل لفك الاشتباكات رغم وجود قوات الشرطة والأمن، كانت الأعداد كبيرة من الجانبين والغضب والحمية مرتفعة ولا مجال لصوت العقل والكل راغب في قتل ابن عمه مما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا لم يتثنَ حتى الآن حصر أعدادهم ولكنهم فاقوا «43» قتيلاً من المسيرية الزرق، وهنالك «14» من المتانين وردت أسماؤهم وهم ناصر عيد وباشر طه وسليمان حسين وأبو جبر بخيت وعلي سليمان عزاز والطاهر ناصر والفاضل محمد عبد الرحمن وسالم مسلم والقاضي محمد علي عبدالزين وإبراهيم سرور والرحيمة هارون والفاضل الزبير، وقال إن هنالك مصابين وجرحى تم نقلهم إلى مستشفى الفولة وهم الفلايتة وتم نقل الجرحى من المسيرية إلى مستشفى كدام ولقاوة وإن المدينة ساكنة ويسودها الهدوء الحذر وسط وجود أمني كثيف يؤمنها ويمنع الجميع من التحرك خوفاً من تجدد الاشتباكات مجدداً.
لجنة المساعي الحميدة للعجايرة
وفي اتصال هاتفي تحدث الأستاذ آدم الضي آدم عضو لجنة المساعي الحميدة للعجايرة لـ(آخر لحظة) قائلاً إنهم تحركوا فور سماع الأحداث وهم ثمانية أعضاء من الإدارة الأهلية بالقطاع الغربي ومعهم لجنة الأمن بالولاية، برفقة اللواء كمال معروف قائد الفرقة «22» واجتمعوا مع الطرفين كلاً على حدا، مشيراً إلى اجتماعهم مع المسيرية الزرق بالفردوس شمال بليلة واجتماعهم مع الفلانية داخل حقل بليلة وطالبوهم بضبط النفس وتحمل المسؤولية وتقدير الظروف وإيقاف الاقتتال، وأضاف وضعنا ترتيباً لذلك فيما يعرف بـ«الصف» وهو عرف متوارث لدى المسيرية منذ الأجداد، حيث يبعد الطرفان المتقاتلان إلى أن يتم إنهاء الأمر لإتاحة الفرصة للوسطاء للتحرك من أجل الصلح، وعزا تجدد الاشتباكات لتأخير مؤتمر الصلح بين الطرفين وذلك للإجراءات الطويلة، داعياً إلى ضرورة عقد المؤتمر سريعاً لدفع الديات وإزالة الغبن وقدم تقرير بما حدث قد سلم للوالي وأمراء القبائل الثلاث أولاد سرور وهيبان والمتانين وقال إنهم بصدد تسليم جثث الضحايا لذويهم لدفنها بعد أن بلغت حتى اللحظة «40» شخصاً من الزرق بينهم امرأة و«15» من المتانين وأولاد سرور.
وبعد كل ما حدث هل يطغى صوت العقل على صوت الرصاص؟.. نأمل.